فارس بلا جواد )
دق الحرس الإليكترونى الهادىء معلنا وقت الفسحة ( البريك كما يسمونه الأن ) ظل قاعدا وحده فى الفصل و تحت ضغط مشرفة الدور اضطر للنزول ، بخطوات هادئة مترددة نزل درجات السلم بجسده الرفيع و قامته المتوسطة ، لازال الغبار الذى صنعه اندفاع الطلبة فى النزول رائحته فى الجو ، ما ان وصل لأرض الفناء وقف لحظات ثم تابع السير بخطوات زاحفة ثم وقف واضعا يده فى جيبه و رفع وجهه الأبيض ذو الأنف الصغيرة و الشعر الأسود القصير المصفف بعناية لليمين ...... و بلا مقدمات طار بقوة ليرتطم بسور حديدى صغير فى قاع السلم ، اهتز السور الحديدى و فتح ( فارس ) فمه بقوة و اغلقه سريعا و ضاقت عيناه بشدة و أمسك بساقه الرفيعة بكلتا ذراعيها و ضمهم لصدره و ظل يهتز و الدموع تتساقط من عينيه ، نظر هنا و هناك لم يجد مدرس او مشرفة - لم تكن تلك المرة الأولى ، بل الثالثة منذ بداية العام الدراسى من حوالى شهر ، لا تزال كتفه اليمنى زرقاء من سقوطه السابق من أيام - حاول رفع رأسه الصغير فسمع أصوات ضاحكة ، أنصت لها و أحنى رأسه ثانية و ضمها لصدره و ركبتيه الملتصقة به .
عاد للبيت و دخل بعد أن أخذ المفتاح من البواب حتى تعود أمه من العمل ، غير ملابسه و تحسس تورم مثل كرة صغيرة بحجم قبضة اليد فى تحت ركبته سمع صوت أمه فقفز سريعا نحوها
- كانت تخلع ثيابها و هى سائرة قبل وصولها لغرفتها فخرج صوتها من تحت نصف ثوبها العلوى
فارس أنهى واجبك و أتركني الآن تماما حتى أنهى الغذاء
ارتد للوراء و انكمش بين كتبه
أنهى الطعام مع أمه سريعا فوالده يأتى متاخرا ، ثم التفت لها سريعا : أمى اليوم فى المدرسة ...
اختفت أمه من أمامه و سمع صوت المياه تنهمر على الأطباق حوض المطبخ
ماما ...لم تلتفت له و بصوت منخفض و عيناها جامدتان : أنهيت كل الواجب ؟
- وضع يديه حول خصره النحيل أنهيت ثلاثة ناقص واحد فقط
- أذهب و قم به
- اهتز جسده الدخان المتصاعد من فوهة براد ماء مغلى : يا أمى
رفعت الأم من نبرة صوتها الضعف و قالت و يديها غارقة فى الحوض المسدود تنظف
- أذهب الآن حالا قم بإنهائه .... الأن
اعتادت الأم أن تخطف ساعة من النوم قبل وصول زوجها أما فارس ، فجلس على الأرض تغطيه كتبه المدرسية و جسده ممتد على الأرض و تحت كتفه وسادة صغيرة ، عيناه تغمضا مرتين و رأسه تنزل للاسفل ثم يفتح عينيه و ينظر لباب الشقة ثم للساعة المعلقة و يحتضن كتبه مرة أخرى ....
فى صباح اليوم التالى أيقظته أمه و فى خطوات متلاحقة مع بعض الصرخات الغاضبة سلمته أمه لأتوبيس المدرسة و انطلقت إلى عملها ، نزل للغناء و هذه المرة كانت رأسه تدور كل ثانية للخلف يسير خطوات ثم ينظر خلفه و دقات قلبه متسارعة كدقات الجنين فى بطن أمه على السونار ، و هذه المرة جاءته الدفعة من الأمام اصطدم بظهره بالسور الحديدى و تأوه متألما و أمسك بظهره و هو يقفز فى مكانه و رأسه تنظر للأرض سمع نغس الضحكات فرفع رأسه و نظر له ، كان من دفعه يقف امامه على بعد أمتار قليلة ، انه ( فتحى )طفل شديد البدانة أصفر الوجه و الأسنان و يديه حمراء ضخمة ، أدار ( فارس ) وجهه الناحية الأخرى و قام مستندا على السور و نظر إلى ( فتحى ) مرة أخرى و تراجع للخلف
سمع صوتا رفيعا يسب هذا الفتى البدين ....
التفت بكامل جسده كان طفلا أصغر منه بعامين يعانى من عرج خفيف بساقيه مستند على بقايا مقعد مكسور
أيها الكلب أيها الكلب يا حيوان و انهار فى البكاء ، كان صوته حادا رفيعا فسمعه العديد من الأطفال
ارتبك الفتى البدين و هجم على الفتى و دفعه فوقع على الكرسى الخشب الذى تحطم تماما و رفع الفتى البدين فخذه الضخمة ليضرب الراقد على ظهره رفع الفتى قطعة خشبية طويلة من المقعد المحطم فتردد الفتى البدين و اختل توازنه متراجعا للوراء بشدة و بعد خطوات متلاحقة نجح فى غرس قدميه فى الأرض و ساعدته مقدمة بطنه الكبيرة فى الثبات للأمام و منعت سقوطه
كان فارس يراقب الموقف و أنفاسه تتسارع و أفكاره تتصارع ، انقض على الفتى البدين يضربه بقبضته الصغيرة على ظهره
اتسعت عينا فارس عندما سمع صوت تأوهات غاضبة متقطعة هربت من فم الفتى البدين تراجع للخلف لاهثا و قد رفع يده من على ظهره المتألم و صرخ فى وجهه صرخة عالية و قد تقوست حاجبيه و ضاقت عيناه و جرى مرة أخرى تجاه الفتى البدين ، أمسك الفتى البدين بظهره متألما و سقط على ركبته صارخا بصوت مرتفع ، وقف فارس متعجبا كان الفتى الذى سقط على الأرض قد قام مرة أخرى مستندا على صديق له و كان هناك أطفال آخرين صغار الحجم .
( تمت )
مصطفى علاء بركات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق